التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خواطر 3 - نص انتظار

خاطرة - انتظار
بقلم: محمد الدبس - مدونة كتابات السكون

1
يتصببُ عرقاً في مشيهِ السّريع، يخشى أن يتأخر على موعدِه معها، والشّمسُ الحارة تزيد الأمر سوءاً. دخل المقهى وحجز طاولةً لاثنين، واتفق مع المدير على أغنية تفضلها حبيبته ليشغلها حين تحضر. عيناه لا تفارقان الواجهة الزجاجية للمقهى بانتظار حضورها.. تمنى لو أنّ الطرقات تصبح أقصر بينهما، لو أن المسافة تنعدم للقائهما، والوقت يسرع حين بعدهما، ويذوب بطيئاً لقربهما.
تخيّل لحظة ولوجها المقهى.. العيون كلّها عليها، كيف لا وهي أميرة هذا الكون؟.. حتى أنّ المقاعدَ تتسابق لتُجلِسَها، والفناجين تفور قهوتها كي ترشفها، ويا فرحة الفنجان حين يقبلّ ثغرها.. حتى تلك الأغنية خرساء إذا لم تحبُّها أذُنُها، والشوارعُ موحشةٌ إذا ما مشَتْ فيها، والأرضُ بائسةٌ لو لم تطؤها قدماها، حتّى قيظُ الشّمس عليها يبرد، والبرد يدفء بهواها.
تفقد هديته له، وهل هناك هديةٌ للهدية؟!، زجاجة عطر!.. وما من عطر يدانيها... تمنى لو أنّ شذاها في هذه الزّجاجة، لكن ما من شيء يحتويها، هي كالهواء تملئ الكون بعبقها النقي.
الحبُّ ينبضُ في قلبِه حتّى خُيِّلَ له أنّ كلّ من في المقهى والشّوارع ينتظرونها معه، لكنْ لا أحدٌ يعشقها مثله، وهيَ لنْ تهوى سواه.
التفكيرُ بها كالخمرِ يصعد للرأسِ فينشرُ في الجسد خفةً حتّى يتلاشى وتبقى الروحُ طائرة بين السّموات والأرض كملاكٍ عاشقٍ أو كعصفور صغير عاشق من أقدم العصور .
هي الحبّ البهيّ، هي الشّوق الشّقي، هي الفرحُ حيثما حلَّ.. فالحزنُ تولّى، هي القمرُ من السّماء تدلّى.. هي الجمال العظيم تجلّى.


2
مرت عشر دقائق.. عشرين.. ثلاثين، وفي نهاية الفنجان الرابع كان اليقين.. لم تأت! .
كان الفُنجان مجرد فُنجان، يقوم بعمله المعتاد، يحمل القهوة إلى جوف الإنسان.. لم يكن ينتظر أن يرشفه هذا أو تلك.. بطبيعة الحال ينتظر أنْ تلمؤه القهوة فقط!!
الكراسي أيضاً تقوم بدورها المعروف، لا تنتظر شخصاً معيناً يجلس عليها، لربما أصلاً هي رافضةٌ جلوسنا.. تستمر بالوقوف على أرجلها الأربع طوال عمرها، حتّى تُبلى وتهترئ، تحلم بتلك اللحظة عندما تنام بهدوء، وإنْ كان الثمن غالٍ.. أن تتحطم أقدامها!
عاد يمشي إنما هذه المرة بطيئاً ، في هكذا جوٍّ حار المشي بسرعة تجنباً لحرارة الشّمس يجعلك تتصبب عرقاً، المشي ببطئ أفضل.. في المرات القادمة سيمشي أبطئ نحو أيِّ لقاءٍ.
طريق العودة كان قصيراً، بالطبع فسرعة قطع المسافة تتعلق بالزمن، والزمن شيءٌ نسبيٌّ يختلف إحساسنا به فتتغير معه المسافة والسرعة.
حين وصل منزله، عصف الغضب به، وانهالت الأسئلة: يا للحماقة، لا ثمّة من ينتظرها سواك؟
هل أنا كرسي؟ هل أنا فنجان؟ أحجرٌ في الطريق؟.. في الحقيقة أن تعرف نفسك هو سؤالٌ صعب لكنّه في غاية الأهمية.
- جلس قبالة الجدار: من تنتظر؟
- أجاب الجدار: أذناً على طرفٍ وحديثٌ سريٌّ على الطرف الآخر.
- وهل هذا حقاً مهم؟
- بالطبع .. وإلا لماذا بنيت الجدران؟
- ربما لنتقي خطر الرياح؟ أو الوحوش الضارية.
- يا سيدي أنا أقف هنا منذ سبعٍ وعشرين عاماً، لم يأتِ وحشٌ ضارٍ، ولا هبت ريحٌ عاصفة، كلُّ ما يحدث هو ما أخبرتك به.. حديثٌ وأذن تسترقه.
- نظر الى المرآة: وأنت أيتها المرآة ماذا تنتظرين؟
- أن يأت مجنونٌ مثلك يكلّم نفسه!.. لقد انتظرت كثيراً هذه اللحظة، كم كرهت عقلانيتك، هكذا تبدو أفضل.. شكراً لك.
- أهلاً وسهلاً.
ذرع الغرفة جيئةً وذهاباً.. يصفع نفسه تارةً، وتارةً أخرى يَخِرُّ على الأرض يبكي، ثمّ استلقى على ظهرهِ يضحكُ، بسط ذراعاه كأنّ ضحكته تحتاح إلى فمٍ أوسع بكثير..
كم انتظر أن يضحك بهذا الجنون، أيامٌ حالكة قضاها بالدموع وهو يأملُ أنّ هذه الضحكة ستأتي.
الصبر هو إدخار الضحك على سخرية القدر لتنفجر الضحكة في نهاية النكتة، كانت النكتة طويلة وتعجُّ بالتفاصيل، لقد نسي مغزاها، نسي كيف بدأت، كل ما يعرفه أنه انتظر هذا الضحك طويلاً.
16/08/2017
==== النهاية ====

تعليقات