التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صانع الأحذية - قصة قصيرة


صانع الأحذية
قصة قصيرة ساخرة - بقلم: محمد الدبس

رائحة الغراء والجلد المهترئ تعبق في المكان، هنا حيث ورشة صانع الأحذية، بشعره الأبيض ووجهه المغضن، لدقة حركته وسرعتها، تدرك الخبرة التي يملكها، يقول لزبائنه (على الإنسان أن يتقن عمله مهما كان شأنه، الإتقان يقودك للنجاح).
الناس يحبونه، فقد تمكن من تصنيع آلة لصب قوالب الأحذية وصناعتها، ومنها صنع أحذية رخيصة للكثير من فقراء الحي.. حتى صار يلقب بكاسي الحفاة.
- لحظة.. لحظة هل تريد القول بأن صانع أحذية، صار نجما محبوبا وشخصية شعبية؟
- نعم
- أرني وماذا بعد.. أوه! سيغدو أحد أهم وجوه المدينة ويعمل على مشاريع خدمية!..
لا لا... لن أكتب ذلك.. قال ترشح للانتخابات؟ ويفوز؟ فقدت عقلك؟!!!
- إنه انسان لديه عقل يفكر به، وطموحاته وأحلامه.
- على عيني ثم رأسي، بس يا أخي.. لن يقبل الجمهور بهذا، سيضحكون منك.
- لماذا؟ نحن بلد كلها زعماء وعباقرة.. صانع الأحذية يغدو محافظ مدينة أو مسؤولا حكوميا.. لدينا حضارة سبعة آلاف عام...
- بس بس، يكفي تخبيصا، اسمع، ليكن نجارا، فلاحا، استاذ مدرسة..
- وما المشكلة في صناعة الأحذية؟
- هناك سلوكيات وأعراف وعادات وتقاليد.. لا يمكن تجاوزه، سينقم عليك الناس
- أف! العادات والتقاليد
- لمَ لا يكون ابنه؟.. صانع الأحذية بنى ثروة، وتعلم ابنه في أوربا.. هنا نتحدث عن ثمرة العمل الدؤوب والتربية الصالحة.. ذهب الابن لأوربا ثم عاد بفكر إصلاحي.
- يصلح ماذا؟.. أبوه كان يصلح الأحذية، ليس لدينا مشاكل سوى الأحذية المهترئة، وحسب.
- بلى لدينا مشاكل.. اسمع اكتب هنا مثلا كيف تآمر عليه بقية صانعي الأحذية لأنه طيب ونظيف الأخلاق
- هذه مشكلته وليست مشكلتنا كمجتمع..
ثم لم لا يكون العكس؟ أليس بتوسعه ونجاحه يقطع أرزاقهم؟ هذه مؤامرة أيضا إن شئت أن نسمي التطور مؤامرة
- هذه أفكارك ومخيلتك، لن أقبل بكتابة هكذا قصة
- تعاندني وأنا الكاتب؟
- ستضع اسمي في نهاية القصة، ستقول بقلمي.. هذا يسيء لسمعتي!
- إني اقول للناس أن من حق كل انسان السعي لطموحه وحياته ونجاحه، ولكل انسان قيمته مهما صغر شأنه!
- كلام جميل وعميق، لكن اكتبه بغير قالب.. قال صانع الأحذية يصير سياسيا!
- تعال نتناقش.. لا يعقل أن نختلف ونتعاند.. صح؟
- معك حق، فالكاتب وقلمه واحد.. لنفتح طاولة حوار، لنستدعي أولا شيطان الكتابة.
- حسنا
- قل لنا يا شيطان الكتابة.. كيف أوحيت لكاتبنا بهكذا قصة..
- لقد استيقظت للتو، دعني اقرأ.. أممم .. أممم...
ماذا؟ ما هذا؟ أعوذ بالله من شر الشياطين.. أقسم بالله لم أوحي له بهكذا أفكار.. حتى لو كان للكتابة ملاك لن يخبص هكذا خبصة!
- هل حقا لم يوحي لك شيطان الكتابة بهذا؟
- نعم.. حقا يقول
- طيب لنستدعي الشخصية
- وما علاقتها بالقضية؟
- لربما دفع لك رشوة
- ويحك؟ أنا ارتشي؟؟ ومن شخصية اكتبها؟
- والله في السياسة جميعنا فاسدون! هذا ما أعلمه..
يا صانع الأحذية.. أخبرنا، هل لك طموحات سياسية؟
- لا.. هو من فعل ذلك بي..
- لكن لدي طموحات اجتماعية لأجلك، إصلاح المجتمع، فالسلطة وسيلة وليست غاية، يعني نحن يجب ..
- يكفي يكفي، لن نحول هذه القصة لمقالة، اصنع في قصتك جريدة ولتكتب فيها ما تشاء.. لنركز على فحوى القضية.
- نعم
- أخبرنا يا صانع الأحذية، منذ متى وأنت تعرف الكاتب
- منذ شهرين.. جئته ليكتبني في قصة، كانت النية أبسط من ذلك، لكنه أعجب بمسار القصة وأراد أن أخوض غمار السياسة!
أنقذني يا قلم، فأنا رجل بسيط، أعمل في إصلاح الأحذية وأجني رزقي بالحلال، هذا يريد أن يصيرني مسؤولا في الحكومة... ينقلني من المصلح للمخرب!
- فهمنا رأيك، حسنا انصرف..
التفت إلي القلم بنظرة حائرة وغاضبة، تمشى قليلا حولي ثم جلس وضرب الطاولة بيده
- بربك يا رجل.. ماذا تريد من هكذا قصة؟ حتى الشياطين أنكرت عليك جنونك! البطل تخلى عنك، إنك تسلك دربا موحشا وخطيرا.
- يعني وما المشكلة في صانع الأحذية أن يغدو رجل دولة؟ هناك علاقة عضوية بين الأحذية والحكومة
- كيف؟
- لعق الأحذية، دوس الشعب..
- لعق الأحذية تشبيه مجازي.. أنت كاتب وتفهم في التشابيه والصور
- صحيح ما تقول، لكن الحكومة بشكلها الحالي حكومة غير محترفة، الكراسي فيها حسب مسح الجوخ واللعق والتقبيل، يعني بتعبير سياسي ليست حكومة تكنوقراط.
- وما علاقتك بالحكومة؟
- علاقة غير إخلاقية
- إذا تجنبها، ما لك وإصلاحها؟
- بدل من لاعقي الأحذية، سنرشح صانعي الأحذية.. نحن حافظنا على البنية الرئيسية.. الحذاء المقدس، لكن طورناها بشكل أكثر احترافية.
- أها.. إذن تعلم حساسية الأحذية وخصوصيتها؟
- اسمع.. منذ ايام قرأت مقولة لمارلين مونرو (أعطي امرأة حذاء وستحكم العالم).. أترى كم هو مهم موضوع الحذاء؟.. انظر حولك.. يقول الشابي (شعب لو ضرب الحذاء برأسه)، إن الحذاء هنا أداة حساب وعقاب، وأداة توعية، وشاهد على التاريخ
- أظنني بدأت أفهمك.. تابع
- هذا هو المغزى.. سيبقى الحذاء هو أسمى غاياتنا، لكن سنجلي نظرة الناس له، إنه ليس مجرد ما تلبسه في قدمك..
فهو وسيلة حوار كأن تضع حذاءك في فم من يجادلك..
وسيلة تربية، وسيلة تنقل، موضة، أناقة، صناعة مربحة لا تنتهي..
- نعم نعم.. قد يجوع المرء ويصبر على جوعه، لكنه لن يستيطع المشي وقصد رزقه دون حذاء..
- وهو منطق القوة، ألا تسمع من يقول (سأدوسك بصرمايتي) واذا عدنا لجذرها اللغوي، صرماية أصلها من صارم أو من هذا القبيل، اسم من اسماء السيف... ألا تعلم كم السيف نبيل؟ سيفنا صرماية!
- رائع.. يعني لا تغيير في جوهر الحكومة؟
- أعوذ بالله.. وهل يجرؤ أحد على ذلك!
------النهاية------

تعليقات

  1. هناك ضياع بالفكرة بسبب عدم تحديد المتكلم
    لكن رائعة مسرحية ادبية أحسنت

    ردحذف

إرسال تعليق