التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حنكة وكرم - قصة

حنكة وكرم عربي أصيل
بقلم محمد الدبس

حدثنا حفار القبور عن أبيه عن جده أنه قال:
بعدما عاد الخليفة المبجل هارون الرشيد، من غزوتِهِ السّتين، وقضى حجه التاسع والخمسين، جلس على عرشه مهموماً.. فرآه وزيره بهذا الحال..
- ما بال مولاي محزون؟
- قد أصابني ملل لكثرة ما غزوت وحاربت، أعندك ما يسلينا يا وزيرنا؟
- نعم يا مولاي.. الصيد!، الصيد يا مولاي رياضة الفرسان وباركها الرسول إذْ ابتدءَ بها حديثَه الشّريف علموا أولادكم الرماية فقدمها على السباحة وركوب الخيل.
- إذن للصيد نخرج.. هيا!
خرجت معه حاشية عظيمة للصيد، وفي الطريق عرض لهم أبو نواس وقد دُهِش لعظمة الموكب وعجيج غباره.
- لأي حرب تتحضرون؟ أتغزون أرضَ روم؟.
- قهقه الخليفة: بل للصيد يا أبا نواس.. تعال رافقنا نحملك وتحملنا في هذه الرحلة.
وعند العصر جلس الخليفة يُطبطب على كرشِه جائعاً ونادى: يا غلام! أين ما اصطادته يمناي اليوم؟.
- فأجاب الغلام: طير حمام نحيل مريض يا مولاي.. أنشويه أم نقليه؟.
- غضب الخليفة: طير حمام نحيل! ومتى صرت ميزاناً مستقيم يعلم الغثَّ من السّمين؟... ثمَّ مريض! أصرتَ بيطاراً أو لديك من هبة سليمان النبي فحدثك الطير بأوجاعه؟.. والله إنّك من أعداء خلافتنا ومنهج الحق!.. زجو هذا الزنديق المارق في السجن.. وأجلدوه مئة جلدة حتى يبصر جيداً.. وزيدوها مئة ليتعلم النطق السليم..
ابتهجت الحاشية لذكاء الخليفة وحذاقته، إذْ اكتشفَ الخائن من نبرة صوته.. وزاد إعجابهم حزمه في التعامل مع أعداء عظمة السلطان.
- تقدم غلام خصيٌّ أسود: مولاي أُبلغك أنَّ ديوان بيت مال المسلمين أرسلَ في طلب علماء الرياضيات وعاملي الحسبة لإحصاء ما اصطدت.. فهو يفوق على قدرتنا على الإحصاء.. وذلك من بركة قوله تعالى : "وإن تعدوا نعمتَ الله لا تحصوها"
- ضحك الخليفة: إنَّك غلام بارع في الصيد، وفقيه في علوم الدين، سأسميك وزيراً للصيد وفقيها يخطب في مساجدنا.
وقذف إليه بكيس فيه ألف دينار.
وعند المساء جاء الطعام، ووُضِعَتْ الأطباقُ العامرةُ باللحم المشوي أمام الخليفة والحاشية الكثيرة العظيمة.
- نظر الخليفة للطبق مستغرباً: قد خرجتُ لصيد الطيور وأرى أمامي خرافاً مشوية.. ما هذا!!؟
- ابتسم الوزير: مولاي!.. إنَّ هذه الطيور دخلتْ قصرَك ووضعتْ في قدورِ مطابخك الكريمة، فنالها شيء من كرمك فأصبحتْ خرافاً سمينة.
قهقه الخليفة مسروراً وقذف بكيس فيه عشرة آلاف دينار للوزير، وعمَّ الفرح والسرور.
- نظر الخليفة لأبي نواس: أترى يا أبا نواس!.. هذه الطيور الميتة سَمنتْ وصارتْ خرفاناً، مثلُ قوله تعالى: "حبة قمح أنبتت سبع سنابل"، أرأيت مثل آية كرمنا يا أبا نواس؟
- أجابه أبو نواس: بلى! رأيتُ عبداً خصياً دخل مجلسك فصار فقيهاً ووزيرا!
==== النهاية ====

تعليقات