التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العدالة - حلم الليلة الأخيرة

البعد الرابع* - العدالة، حلم الليلة الأخيرة
بقلم محمد الدبس - مدونة كتابات السكون
أتابع في هذه التدوينة استعراض مشاهد من البعد الرابع..

العدالة

دخانُ التبغِ يَحرِقُ عينيه فتَدمعان، ذكرياتٌ مهملةٌ تسيلُ على خديه، يومَ سرقَ لعبةً من أحدِ الأطفال.
لمْ يشتري والديه لعبةً له، فسرقَ واحدة من ذاك الطفلِ
يبرر لنفسه أنَّها كانتْ مهملة فأخذها، ولم تكن لعبة ثمينة.. مجرد علّاقة مفاتيح خَرِبة على شكل برج إيفل..
يصفعُ الذكرى السّخيفة.. وما الجريمةُ التي حدثَتْ؟.. طفلٌ غيرُ مدرك..
يدقُّ قلبُه بسرعةٍ وتختنقُ حنجرَتَه بالحزنِ.. لماذا تبكي؟
حسناً سرقتُها بكاملِ الأصرار.. أنا مجرمٌ سفاحٌ حقير..
تذكرَ كيف خطط للعملية الإجرامية، عندما كان ذاك الطفلُ يلهو بكُرَتِه، وقعتْ منه علّاقة المفاتيح ولم ينتبه لذلك.. انبطحَ أرضاً ممثلاً التعثر، أمسكها وأخفاها في جيبه، ثمَّ انسل الى بيته يلهو بها.
- صرخ القاضي: أيُّها اللصُ النذلُ!!، ضجت قاعة المحكمة.
وضعَ البرجَ على الطاولةِ وبجواره ممحاة إنَّها مطعمٌ يطلُّ على البرجِ، ثمَّ صنعَ كرمشاتٍ صغيرة من الورقِ كأشجار حديقة.. وسرح بخيالِه يبني مملكةً حولَ برج إيفل المسروق.
- سأله الإدعاء: أكنتَ تشعرُ بالسعادة؟
- لا .. كنتُ خائفاً أن يشاهدوا البرج المسروق فيأخذوه مني... أخفيتُ المدينةَ في البرجِ وخبأته في علبةٍ ودفنتُه خلف خزانة ثيابي فلا يَصلْهُم أحد..
لم أسمحْ لأحدٍ بالاقتراب من هذا السر الخطير، كنتُ أنام خائفاً من الأعداء الطامعين بهدمِ مدينتي..
نظر للحضور والقاضي ورفع رأسه: حميتها لأعوام..
- وهل أخبرتَ أحداً؟
- نعم أحببتُ فتاةً وصارحتُها بمدينتي، وأنَّ أجملَ قصورِها سأهديها إياه.. وسأجعلُها أميرة في مملكتي..
- ولكنها أفشتْ السّر ساخرةً منْك -ابتسمَ القاضي ابتسامة المنتصر- وقفتَ كالأبله أمام تلك الفتاة لتحبها!.. هي أجملُ منك.. هي أذكى منك.. كيف كنت تجرؤ على مغازلتها؟؟
- أنا ملكٌ!.. لا أدري أيُّ خسارة أكبر.. مملكتي.. أم ملكتي!
- هل تدرك كيف كنتَ تكره بعض الأطعمة وتحبُّ بعضها الآخر؟.. لقد كنت طفلاً شيطاناً..
انكمش على نفسه خائفاً.. ناظراً حوله، هل من مدافع!؟
- فكر في نفسه: كنتُ طفلاً وجميعُ الأطفال تلهو وتلعب.. ومراهقاً يحبُّ فتاة.. لكن هيهات هيهات.. قد كَبُرَ الطفلُ وباتَ مدركاً لجرائمه.. سيحاكمونه اليوم وتنتصر العدالة!
- أتدرك ماضيك المظلم؟ كم كنت حقيراً وأنت تبكي أمام والديك كي يشتروا لك لعبة؟ وأنت تعارض الله فتسرق؟
- أعترف .. أنا مذنب
- إعدام!
=================================
حلم الليلة الأخيرة

يحاول الاستيقاظ، يدركُ أنَّه نائم، أسيرُ حلمٍ مزعج، لكن هذا الحلم واقعي تماماً، لقد حدث معه هذا وذاك، ذكرياتٌ ربما.
بطريقةٍ سخيفة ومتعبة يتكررُ مشهدين فقط، صراخُ معلمَتَهُ عندما نسيَ كتابةَ الوظيفة، وصراخُ والدتَهُ حينَ كسر كأساً.
- فَكّرَ: لكنّني أحبُّ معلمتي ووالدتي!!، لماذا يتكررُ ذلك في رأسي؟
الصوتُ أقوى من مجردِ حلم.. كرصاصٍ يدوي في رأسه.
أنْ ترى شيئاً سخيفاً كانكسار كأسٍ، فيعتريك الخوفُ والرهبة من إنسانٍ تحبّه كوالدتك.
- قال في نفسه: إنَّ هذا الكابوسُ يُشيطِنُ ذكرياتي.. يُشيطُنني أنا!... سأكتبُ الوظيفة، لعلَّ ذلك ينهي الكابوس.. حسناً ما السؤالُ الأوَّل..
أمسكَ قطعةَ زجاج من الكأس المكسور، يريد الكتابة.. فتسيلُ الدماءُ لترسمَ حروفاً مبهمة.
- تصرخ المعلمة في رأسِه: خطَّك غير مرتب، لقد شوهتَ الورقة.
شعر بجهدٍ كبير، ونَفَسَه يضيقُ، وعرقٌ باردٌ جعله يرتجف..
- قال لنفسه: إما أن أستيقظ الآن أو ليتغير الحلم! حاول التفكير بشيء آخر..
لكن لم تتوقف يدُه عن تمزيق الدفتر بشظايا الزجاج وحبرِ دمه.. يريدُ أنْ يوقِفَ يدَه، الألمُ فظيع، لكن إذا شاهدتْ والدته هذا الدفتر، ستغضب كثيراً.
اليدُ الحمقاءُ لا تكفّ عن تمزيق الورق بحركات هستيرية، يكادُ يفقدُ الوعي من شدّة النزف.. الوجوه مليئة بالدماء.
قدماه تركضان لتهربان، ويتشظى ككأس سقط على الأرض.. سقط مرة.. مرتين.. خمسين.
صوتُ تحطُّمِ الزجاج، ووالدته تصرخ لمَ وكيف نسي الوظيفة.. وأنينُ الخطواتُ الراكضة على ركام الممر المغلق..
- يصرخ: فلينتهي هذا الحلم الآن.. الآن!
يضغطُ بشدة على قطعة الزجاج.. لم يعدْ هناك دماء لتسيل، لا ينبضْ القلم.
تضمُّه والدته وتبكي لأنَّه جرح نفسه.. يبحث عن قدميه ليعود.. لكن جسدَه هربَ بعيداً، واليدُ الحمقاء ماتت بجواره تَعسة ولم تنهي واجبها.
وجه والدته الملائكي يقبضُ روحَه لينام ويستريح.
====================================

*البعد الرابع: مجموعة مشاهد متنوعة المواضيع، متفقة بالفكرة والأسلوب، تنقل صورة مجتزئة لحدث نفسي يعتري بطل القصة.
الغاية من هذه المشهديات، رصد تأثيرات نفسية وفكرية، يمكن الافادة منها في كتابة عمل أدبي متكامل العناصر (قصة . مسرح . رواية).

تعليقات